قبل أيام إستدعاني أحد الأصدقاء لنلتقي ، يومها خميس وكنت أظنه جمعة لذلك كنت أجلس أنتظر صلاة الجمعة. فالأسبوع الفارط فاتتني بطريقة غبية ،جلست قبل الصلاة بدقائق ووضعت قطعة القماش السوداء حتى أغمض عيني قليلا ،لكن بما أن المكان هادئ جدا ،فقد إستيقظت بعد مدة طويلة جدا ولم يوقظني أحد …

هناك جهاز يشبه القبر فيه مادة كالمياه ويضمن الصمت التام و الظلام الدامس ،هذا الجهاز إذا مكثت فيه ساعة سيعزلك عن العالم نهائيا …

كنا نتراسل على الواتساب فأخبرني بأنه مرتاح يومها ،إذا أردت أن نلتقي ،قررت أن أزوره و إتفقنا على موعد في مكان محدد…حين وصلت وجدت عمالا يقومون بقطع الأغصان ورحييها على عين المكان …

ذهبت لجلب قهوة وبقيت أتفرج على المشهد ،هناك أشخاص كانو بعيدين إقتربو فاصبحنا مجموعة صغيرة ،تذكرت تدوينة ليونس بن عمارة حول مصطلح إيطالي لأولائك المتقاعدين الذين يراقبون الأشغال العمومية ،إسمهم الأوماريل.

في الصائفة الفارطة كنت أجوب البلاد للتسويق لمنصة تتبع قطاع الفلاحة ،إلتقيت بمدير فرع جهوي لتربية الماشية و تنمية المراعي ،هو كفاءة وطنية و عمل في منظمة الزراعة الدولية ،أخبرني بأنهم يوزعونها بسعر رمزي على الفلاحين في المنطقة.

حدثني عن تجربة عمله في منظمة التغذية والزراعة العالمية ،شخص عملي جدا ونشيط ،أذكر أنه قريب من التقاعد …

المنصة التي أنشأتها اغلب الإتصالات تأتي من الجزائر فهناك صاحب شركة بيع مواد فلاحية من منطقة إسمها بئر العاتر يبحث عن دواء طماطم إسمه ampilgo كلمني ،قلت له نحن في تونس فقال لا يهمك أوصلوه للحدود ولدي مهربين سيجلبونه ،يريد سحب كل الكمية الموجودة في البلاد التونسية ،الجزائر قارة بحالها ،فيها الفصول الأربع في نفس الوقت …

كذلك كلمني فلاح من جبال الأوراس منطقة إسمها خنشلة ،لديه زعفران ويريد تصديره ،الزعفران مثل الذهب ،وضعت له إعلانا على المنصة فكلمني جزائري آخر يريد الشراء وسألني هل الرجل ثقة ،قلت له نحن منصة لوضع الإعلانات ،العهدة على المعلن ،كذلك عليك زيارته…كما كلمني رجل لديه أشجار المورينغا…حسب رأيي إذا أردت أن تكون فلاحا ،إزرع أشياء يسهل بيعها ،مثل البطاطا و القمح و الشعير و الخضروات فهناك خبرة مئات السنين كما أنها سائدة و يمكنك بيعها ،فالجزائريين يزرعون الموز الآن وهو مستهلك للمياه ،مصر مثلا لديها القدرة على إنتاج الموز لكن بحكم شح مصادر المياه حتى القصب السكري قد تستغني عن زراعته …في أمريكا هناك شركة أصبحت تركز على إنتاج دجاج أقل حجما و مغذى بطريقة سليمة و

حين إلتقيت مع المدير ،أخبرني بأنه مرتاح وعرض علي أن نذهب لحيث يعمل ليريني المكان …هو مركز تدريب يقدم دورات في إصلاح الهواتف و كهرباء البناء و الطبخ و الخياطة .

هم في الطابق الأول من نهج الجزائر ،هذا النهج صاخب جدا فهنا مئات الباعة وحركية وضجيج،حين تصعد للطابق الأول المشهد رائع جدا فهناك أشجار تفصل بين العالمين مع صمت وهدوء ،كأنك صعدت لعالم آخر ،في نفس المكان،فالاشجار إمتصت كل الضجيج…أخبرني بأنه مستاء من تصرف مدرسة تعمل معهم ،قال بأن نظام العمل عندهم مبني على أن الشركة عائلة أكثر منها مكان عمل ،لذلك يعامل منظوريه بطريقة إنسانية و لكنها أسقطت الحاجز بينها وبينه وفي لحظة غضب قالت له كلمات عنصرية…في لحظة الغضب تظهر حقيقة ما يكنه الإنسان تجاهك …بعدها طلب مني أن نذهب لنغدى سويا ،أخبرته بانه يجب أن تفصل بين مزاجك و العمل ،فلا يوجد عمل بدون مشاكل ،كذلك لا تتخذ صداقات داخل مكان العمل خاصة مع مرؤوسيك ،يمكن مع شخص أو إثنين لكن علاقة العمل هي علاقة عمل ،إشتغلنا مع العشرات من الزملاء ،بمجرد أن تغادر المكان تنتهي العلاقة ،كما أن العلاقات مع النساء في العمل يحددها الشرع ،أتحدث عن المسلم الذي يريد أن يتقي الله في عمله…حين غادرت طلب ان نلتقي من جديد ،أنا إرتحت له كثيرا فهو شخص راق في سلوكه ودافئ ،كما عرفني على صديقين من أصدقاىه أحدهما يريد فتح مشروع تعبأة الثوم المجفف و طاحونة توابل و الآخر يريد تصنيع الاليمنيوم تلك القطع الصغيرة التي تستعملها شركات السيارات …